سورة النحل - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85)}
اعلم أنه تعالى لما بين من حال القوم أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها وذكر أيضاً من حالهم أن أكثرهم الكافرون أتبعه بالوعيد، فذكر حال يوم القيامة فقال: {ويوم نبعث من كل أمة شهيداً} وذلك يدل على أن أولئك الشهداء يشهدون عليهم بذلك الإنكار وبذلك الكفر، والمراد بهؤلاء الشهداء الأنبياء كما قال تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} [النساء: 41] وقوله: {ثم لا يؤذن للذين كفروا} فيه وجوه:
أحدها: لا يؤذن لهم في الاعتذار لقوله: {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [المرسلات: 36].
وثانيها: لا يؤذن لهم في كثرة الكلام.
وثالثها: لا يؤذن لهم في الرجوع إلى دار الدنيا وإلى التكلف.
ورابعها: لا يؤذن لهم في حال شهادة الشهود، بل يسكت أهل الجمع كلهم ليشهد الشهود.
وخامسها: لا يؤذن لهم في كثرة الكلام ليظهر لهم كونهم آيسين من رحمة الله تعالى. ثم قال: {ولا هم يستعتبون} الاستعتاب طلب العتاب، والرجل يطلب العتاب من خصمه إذا كان على جزم أنه إذا عاتبه رجع إلى الرضا، فإذا لم يطلب العتاب منه دل على أنه راسخ في غضبه وسطوته، ثم إنه تعالى أكد هذا الوعيد فقال: {وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم} والمعنى أن المشركين إذا رأوا العذاب ووصلوا إليه، فعند ذلك لا يخفف عنهم العذاب {ولا هم} أيضاً {ينظرون} أي لا يؤخرون ولا يمهلون، لأن التوبة هناك غير موجودة، وتحقيقه ما يقوله المتكلمون من أن العذاب يجب أن يكون خالصاً عن شوائب النفع، وهو المراد من قوله: {لا يخفف عنهم العذاب} [البقرة: 162] ويجب أن يكون العذاب دائماً وهو المراد من قوله: {ولا هم ينظرون}.


{وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87)}
اعلم أن هذا أيضاً من بقية وعيد المشركين، وفي الشركاء قولان:
القول الأول: أنه تعالى يبعث الأصنام التي كان يعبدها المشركون، والمقصود من إعادتها أن المشركين يشاهدونها في غاية الذلة والحقارة. وأيضاً أنها تكذب المشركين، وكل ذلك مما يوجب زيادة الغم والحسرة في قلوبهم، وإنما وصفهم الله بكونهم شركاء لوجهين:
الأول: أن الكفار كانوا يسمونها بأنها شركاء الله.
والثاني: أن الكفار جعلوا لهم نصيباً من أموالهم.
والقول الثاني: أن المراد بالشركاء الشياطين الذين دعوا الكفار إلى الكفر، وهو قول الحسن، وإنما ذهب إلى هذا القول، لأنه تعالى حكى عن أولئك الشركاء أنهم ألقوا إلى الذين أشركوا إنهم لكاذبون، والأصنام جمادات فلا يصح منهم هذا القول، فوجب أن يكون المراد من الشركاء الشياطين حتى يصح منهم هذا القول وهذا بعيد، لأنه تعالى قادر على خلق الحياة في تلك الأصنام وعلى خلق العقل والنطق فيها، وحينئذ يصح منها هذا القول، ثم حكى تعالى عن المشركين أنهم إذا رأوا تلك الشركاء قالوا: ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك.
فإن قيل: فما فائدتهم في هذا القول؟
قلنا: فيه وجهان:
الأول: قال أبو مسلم الأصفهاني: مقصود المشركين إحالة الذنب على هذه الأصنام وظنوا أن ذلك ينجيهم من عذاب الله تعالى أو ينقص من عذابهم، فعند هذا تكذبهم تلك الأصنام.
قال القاضي: هذا بعيد، لأن الكفار يعلمون علماً ضرورياً في الآخرة أن العذاب سينزل بهم وأنه لا نصرة ولا فدية ولا شفاعة.
والقول الثاني: أن المشركين يقولون هذا الكلام تعجباً من حضور تلك الأصنام مع أنه لا ذنب لها واعترافاً بأنهم كانوا مخطئين في عبادتها. ثم حكى تعالى أن الأصنام يكذبونهم، فقال: {فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لكاذبون} والمعنى: أنه تعالى يخلق الحياة والعقل والنطق في تلك الأصنام حتى تقول هذا القول، وقوله: {إِنَّكُمْ لكاذبون} بدل من القول، والتقدير: فألقوا إليهم إنكم لكاذبون.
فإن قيل: إن المشركين ما قالوا إلا أنهم لما أشاروا إلى الأصنام قالوا: إن هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك وقد كانوا صادقين في كل ذلك، فكيف قالت الأصنام إنكم لكاذبون؟.
قلنا: فيه وجوه: والأصح أن يقال المراد من قولهم هؤلاء شركاؤنا هو أن هؤلاء الذين كنا نقول إنهم شركاء الله في المعبودية، فالأصنام كذبوهم في إثبات هذه الشركة. وقيل: المراد إنكم لكاذبون في قولكم إنا نستحق العبادة ويدل عليه قوله تعالى: {كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم} [مريم: 82].
ثم قال تعالى: {وَأَلْقَوْاْ إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم} قال الكلبي: استسلم العابد والمعبود وأقروا لله بالربوبية وبالبراءة عن الشركاء والأنداد: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} وفيه وجهان: وقيل: ذهب عنهم ما زين لهم الشيطان من أن لله شريكاً وصاحبة وولداً. وقيل: بطل ما كانوا يأملون من أن آلهتهم تشفع لهم عند الله تعالى.


{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)}
اعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد الذين كفروا، أتبعه بوعيد من ضم إلى كفره صد الغير عن سبيل الله. وفي تفسير قوله: {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} وجهان: قيل: معناه الصد عن المسجد الحرام، والأصح أنه يتناول جملة الإيمان بالله والرسول وبالشرائع، لأن اللفظ عام فلا معنى للتخصيص وقوله: {زدناهم عَذَابًا فَوْقَ العذاب} فالمعنى أنهم زادوا على كفرهم صد غيرهم عن الإيمان فهم في الحقيقة ازدادوا كفراً على كفر، فلا جرم يزيدهم الله تعالى عذاباً على عذاب، وأيضاً أتباعهم إنما اقتدوا بهم في الكفر، فوجب أن يحصل لهم مثل عقاب أتباعهم لقوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] ولقوله عليه السلام: «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»، ومن المفسرين من ذكر تفصيل تلك الزيادة فقال ابن عباس: المراد بتلك الزيادة خمسة أنهار من نار تسيل من تحت العرش يعذبون بها ثلاثة بالليل واثنان بالنهار، وقال بعضهم زدناهم عذاباً بحيات وعقارب كأمثال البخت، فيستغيثون بالهرب منها إلى النار ومنهم من ذكر لكل عقرب ثلثمائة فقرة في كل فقرة ثلثمائة قلة من سم. وقيل: عقارب لها أنياب كالنخل الطوال.
ثم قال تعالى: {بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} أي هذه الزيادة من العذاب إنما حصلت معللة بذلك الصد، وهذا يدل على أن من دعا غيره إلى الكفر والضلال فقد عظم عذابه، فكذلك إذا دعا إلى الدين واليقين، فقد عظم قدره عند الله تعالى، والله أعلم.

9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16